في كتابه أدب الكاتب، يستفتح ابن قتيبة بالسبب الذي لفته لضرورة أن يكتب للكُتّاب نصائح هامة ويلفتهم لمعارف عامة يحتاجون إليها. ويبدأ حديثه بأمثلة لكُتّاب وضعوا أنفسهم في مواضع محرجة يوم كتبوا مالايفقهون أو تجاهلوا ماينبغي عليهم معرفته، أو أهملوا ما يلزمهم إتقانه. سأضع النصائح هنا مختصرة وعلى من يبحث عن الاستزادة والشرح الرجوع لكتاب :أدب الكاتب

  • الاطلاع على المعارف العامة والحياتية اليومية:  

يعتبر ابن قتيبة ان على الكاتب مع قراءة كتبه الإرشادية أن يملك معارف عامة، رياضية وعلمية تساعده في الكتابة بمنطق فيقول : “لابد له – يعني الكاتب-  من النظر في مساحة الأرضين، حتى يعرف المثلث القائم الزاوية، والمثلث الحاد، والمثلث المنفرج، ومساقط الأحجار، والمربعات المختلفات، والقسي المدورات، والعمودين، ويمتحن معرفته بالعمل في الأرضين، لا في الدفاتر فإن المُخبر ليس كالمُعاين. وكانت العجم تقول: (من لم يكن عالما بإجراء المياه وحفر فُرضٍ المشارب، وردم المهاوي، ومجاري الأيام في الزيادة والنقص، ودوران الشمس، ومطالع النجوم، وحال القمر في استهلاله وأفعاله، ووزن الموازين، وذرع المثلث والمربع والمختلف الزوايا، ونصب القناطر والجسور والدوالي، والنواعير على المياه، وحال أدوات الصناع ودقائق الحساب، كان ناقصا في حال كتابته).”

  • الاطلاع على الفقه وأصوله والقواعد الشرعية (معرفة ثقافية):

” ولابد له – يعني الكاتب – من الاطلاع على جُمل الفقه ومعرفه أصوله مثل: البينة على المدعي، واليمين على من ادعي عليه. والخراج بالضمان، وجُرح العجماء ضمار، ولايَغلقُ الرهنُ، والمنحة مردودة، والعارية مؤداة، والزعيم غارم، ولا وصية لوارث، و لاقطع في ثمرِ ولو كثُر، ولا قودَ إلا بحديدة، والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، ولا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا، ولا طلاق في إغلاق، والبيعان في الخيار مالم يتفرقا، والجار أحق بصَقَبه، والطلاق بالرجال والعدة بالنساء، وكنهيه في البيوع عن المخابرة والمزابنة، والمعاومة والثنيا، وعن ربح مالم يضمن، وبيع مالم يقبض، وعن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، وعن بيع الغرر وبيع المواصفة، وعن الكاليء بالكاليء، وعن تلقي الركبان، وفي أشباه لهذا كثيرة، إذا هو حفظها وتدبرها، أغنته بإذن الله عن كثير من إطالة الفقهاء”.

  • دراسة أخبار الناس والأوضاع الاجتماعية والسياسية:

” ولابد له -مع ذلك- من دراسة أخبار الناس، وتحفظ عيون الحديث، ليدخلها في تضاعيف سطوره متمثلا إذا كتب، ويصل بها كلامه إذا حاور”. ومدار الأمر على القُطب، وهو العقل “وجودة القريحة، فإن القليل معهما بإذن الله كاف.

  • الأدب

” ونحن نستحب لمن قبٍل عنا، و ائتم بكتبنا، أن يؤدب نفسه قبل أن يؤدب لسانه، ويهذب أخلاقه قبل أن يهذب ألفاظه. ويصون مروءته عن دناءة الغيبة، وصناعته عن شين الكذب، ويجانب- قبل مجانبته اللحن، وخطل القول، – شنيع الكلام ورفث المزاح.”

  • الابتعاد عن غريب الإعراب، وتعقيد الكلام

“ونستحب له أن يدع في كلامه التعقير والتعقيب، وأن يعدل بكلامه عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب، ليسلم من اللحن وقباحة التقعير، فقد كان واصل بن عطاء قد سام إخراج الراء من كلامه للثغة كانت به ( وكانت لثغته على الراء) فلم يزل يروضها حتى انقادت له طباعه، وأطاعه لسانه، فكان لا يتكلم في مجالس التناظر بكلمة فيها راء، وهذا أشد وأعسر مما طلبناه. وليس حكم الكتاب في هذا الباب حكم الكلام، لأن الإعراب لايقبح منه شيءفي الكتاب ولايثقل، إنما يكره فيه وحشي الغريب وتعقيد الكلام”

  • الكتابة على قدر المقام، المكتوب إليه.

” ونستحب له أيضا أن ينزل ألفاظه في كتبه، فيجعلها على قدر الكاتب والمكتوب إليه، وأن لايعطي خسيس الناس رفيع الكلام، ولارفيع الناس وضيع الكلام، فإني رأيت الكتاب قد تركوا تفقد هذا من أنفسهم، وخلطّوا فيه، فليس يفرقون بين من يكتب إليه ((فإني رأيت كذا)) و ((رأيك)) إنما تكتب للأكفاء والمتساويين، لا يجوز أن يكتب بها إلى الرؤساء والأستاذة، لأن فيها معنى الأمر، ولذلك نُصبت. ولا يفرقون بين من يكتب إليه ((وأنا فعلت ذلك)) وبين من يكتب إليه ((ونحن فعلنا ذلك)) و ((نحن)) لايكتب بها عن نفسه سوى آمر أو ناهٍ. لأنها من كلام الملوك والعظماء. قال الله عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

يختم ابن قتيبة بخاتمة لهذه النصائح يقول فيها:

“هذا منتهى القول فيما نختاره للكاتب، فمن تكاملت له هذه الأدوات، وأمده الله بآداب النفس من العفاف، والحلم، والصبر، والتواضع للحق، وسكون الطائر وخفض الجناح، فهذا المتناهي في الفضل، العالي في ذرى المجد، الحاوي قصب السبق، الفائز بخير الدارين، إن شاء الله تعالى”.