المرأة التي تحب الأدب، وتقرأه تخاف من الارتباط. بالشخص الخطأ. بمشاركة حياتها مع من لايصلح. المرأة المحبة للأدب مرهفة الحس، لمّاحة، ذكية، تفهم الناس،وتعرف كيف تصِفهم.  تُفكِّك الأفكار ولديها قدرة استثنائية على التحليل. يلفتها العمق،وتُقدِّر الذكاء. تحب أن تُشارك ماتحب، مع من تحب وهذا أقل القليل. لكن ماهي مخاوفها في الارتباط؟ولِمَ تخاف؟

تخاف حين تشارك معك فكرةً، أو نصاً أو حوار اً لا تجدك تتذوقه. تخاف ألا تفهم اللغز في حديثها معك، تخاف ألا تكون للتوريات والاستعارات مكان في حواراتها معك.

تخاف من عدم قدرتك على إبهارها، على ألا تكون مصدرا يلهمها للكتابة أو التفكير. تخاف من الوضوح وتخاف من الغموض أيضا، تخاف أن تراك تمل بسرعة من القراءة، لا تنتشي من فكرة او معنى أو بيت من الشعر.. تخاف أن تكون في موقف يشبه الموقف الذي مر بإيما بوفاري، الشابة المتطلعة و ” مدام بوفاري” يوم لاحظت أن زوجها “لا يحتمل إلا قدراً معيناً من الموسيقى ثم يغالبه النعاس” تخاف أن تكون دورثيا, المرأة الاستثنائية والجميلة والذكية في “مدل مارش” التي أعجبت بطموحات زوجها العلمية و جعلت من زواجها به فرصة لأن تتعلم منه، لكنها اكتشفت جلافته عندما يتعلق الأمر بالآداب الإنسانية والشعر”.

تخاف أن تشاركك قصيدة ولا تشعر بأنك تذوقتها، بموسيقى لم تطرب أذنك، تخاف أن تراك منهمكا في معمعة الحياة اليومية، ناسيا أنك إنسان. تخاف ألا ترى للتأمل موضع في حياتك.

جورج صاند، الأديبة الفرنسية تحكي عن خيبتها في زواجها الأول، خيبة نتجت عن اختلاف الاهتمامات بينها وبين زوجها فتقول: “ظننت أن زوجي قادر على إسعادي، واغداق كل العطف الذي كنت متعطشة إليه، وإذا به رجل أناني، لا يفكر إلا بنفسه وهواياته. كنت فتاة غريرة، أحب الحياة وأبحث عن السعادة في الزواج. وكان كازيمير يتثاءب إذا ما حدثته عن قراءاتي، ويتململ إذا ما اسمعته عزفي على البيانو أو الهارب، لأن المطالعة في رأيه سخف، والموسيقى ضوضاء”.  أما في زواجها الثاني من كازيمير فقد عانت من نفس المعضلة حتى أنها لجأت إلى الاتفاق مع زوجها على بنود هامة لإنقاذ زواجهما يهدف الاتفاق إلي حثه على المطالعة، وترغيبه في إجراء مناقشات حولها، والتعهد بتجنب الغضب، والكف عن استعمال الألفاظ المؤذية في الحوار. قبِل زوجها بالاتفاق لأنه كان يشعر بالندم على سوء معاملتها وإهمالها، و يأسف لتخلف عنها ثقافياً، وفنياً. حاول رأب الهوة بينه وبينها لكنه أدرك عمقها في أعقاب تلك التجربة القاسية فأصيب بخيبة أمل كبيرة. واستبد به اليأس.

مصدر الصورة

المرأة المحبة للأدب تتوقع الكثير من ارتباطها بك، تتوقع أن تشاركها شغفاً لا مرئياً للمعاني المتوارية خلف العبارات، والمواقف، والمحادثات. تنتظر منك أن تكون لمّاحاً تقرأ الطالع، تفهم المغزى، تتعرف إلى الشخصيات المختلفة من الحديث، والنظرات والابتسامات. تربط بين ما قرأته في الأدب ومبين مشاهداتك في حياتك الشخصية، تكون أكثر عمقاً في تحليل ما يدور حولك.

المرأة المحبة للأدب سوف تطمح لأن تسهر معك وأنت تقرأ لها كتاباً، وأن تكون المشاوير القصيرة والطويلة معك حول آخر قراءاتك وحول الأفكار التي لفتتك في آخر مشاهداتك، تتوقع منك أن تحفظ الحوارات العميقة التي قرأتها أو شاهدتها أو حضرتها. عن القصيدة التي لامستك مؤخراً. تريد أن تشاركك وصفاً بديعا أو ذكياً في قصة أو كتاب وتجدك مهتماً ومحاولاً تذوقه وفهم معناه. تريد أن تشارك معها آخر الأعمال التي قرأتها وآخر الأفكار التي أبهرتك، تريد أن ترى الشغف في عينيك تجاه تفاصيل الحياة التي تعيشها، وأخشى ما تخشاه، أن تكون بليداً لا ترى فرقاً في تفاصيل الأشياء.

المرأة المحبة للأدب، ستتأمل انفعالاتك، تريد أن تراك شخصاً متزناً متعلقاً حين يتعلق الأمر بالأمور الجادة، وتريد أن تراك في وقت الهزل هازلاً، لا منطقياً، بل خارجاً عن المألوف. يجب أن تٌضحكك النكت الذكية و يجب أن تهتم بحل الألغاز. تريد أن تراك تحكي فكرة كانت تدور في عقل محارب أغريقي كانت السبب في انتصار جيشه في حرب هامشية، وتريد أن تراك تكرر أبياتاً من الشعر تريد أن تلفت في الوقت المناسب فتراك لحظت ما كانت تلحظه وفهمت ما كانت تفكر فيه.  هي ليست متطلبة، لكنها لفرط ما قرأت وتذوقت وتأملت، تريد إنساناً يشاركها هذه المتع اللانهائية التي يمدنا بها الأدب.

الصورة: www.lalibre.be