مقالة مقتبسة بتصرف، لـ أناييس نن، عنوانها : “أنبثق من الحلم” ترجمها للعربية محمود الهاشمي. مجلة الآداب الأجنبية.

لقد عُد الحلم هروباً، وملاذاً، و وهماً، وطريقه في الكسل وخصائصه الايجابية كالإلهام، وإظهار كوامن الإنسان، والتخطيط للابتكار والإبداع قد يتجاهلها كل الناس إلا الفنانين. ولقد تحدث السرياليون عن استيلاء الحلم على الذهن لإثرائه لا لإخضاعه، وعده بعضهم مضاداً للعمل، ولكن السرياليين وعلماء النفس قد عرفوا أنه مصدر العمل. و تحليقات السرياليين في الخيال، والابتكار، وقوة اللمح أدلة على وجود العوالم الخفية العميقة، ومن يستطع أن يفسر أحلامه لن يخاف من الوقوع في شركها . إنه مستكشف.  وفي (منزل سفاح القربى) وصفت ما يبدو معقداً في الحلم، لأي مكن وصله بالحياة. ولم أكن قاصدة إلى البقاء في تلك الممالك بل إلى استكشافها.

إن رفض الثقافة في الماضي للفن المنطوي على العوالم الليلية قد جعل الكثيرين يلجؤون الى نسف الحواجز بالمخدرات التي وصفها هكسلي بأنها فتح أبواب البصيرة. الحلم لابد منه للصحة النفسية ولقد أقيمت الدراسات حول الحالمين وكان من الملاحظ أن قطع الحلم يسبب العصبية والزعزعة ( الأحلام هي فترة نكون فيها مجانين بأمان، ولذلك نستطيع أن نبقى أسوياء خلال النهار) –  كارترايت: مديرة مختبر النائمين ، جامعة إلنويز.  

الوجه السلبي الوحيد للحلم هو عندما يكون مقطوع الصلة بالواقع. باستخدام المخدرات يصبح الناس سلبيين، سائحين غير خلاقين في بعازم الصور، والحاجة إلى دمج رسائل الحلم بالحياة لا يمكن ان تتحقق بغمر اللاشعور بصور تفوق طاقته على الامتصاص، والتفسير ،والدمج والربط بالنفس الأخرى. والفنان يصب أحلامه في أعماله، وهي تتخلل شكل العمل، سواء أكان رسماً، أم مؤلفا موسيقياً، أم رقصاً أم شعراً.  أما المخدرات الهذيانية فإنها لاتلهم إلا الصور التي تشتمل عليها أحلامنا ولكنها لا تعلمنا تفسيرها، أو إضاءتها أو تنويرها. وبإغلاق الباب على العالم الخارجي، لا تواجه المخدرات الفرد بالنفس الحالمة فحسب، بل كذلك بالكوابيس، والشعراء الذين سكبوا كوابيسهم في الأدب (مثل لوتريامون في ( أناشيد مالدورور)، أو رامبو في (الانارات)او آنا كافان في (أجزاء الحرم ) أو جاينه في أي عمل من أعماله، لقد قدموها لنا في شكل يختلف عنا اختلافات شاسعاً كاختلاف ما يرسمه المجانين عما يرسمه عظماء الرسم.

إن الشبان لن يحتاجوا الى المخدرات إذا تثقفوا على حدة المشاعر والانفعالات من خلال الفن. فالفن قد وهب الناس خلال العصور الإحساس العميق بالحياة، ومنحهم مفتاح معناها، ولقد سلب الشبان الاحساس العميق بالحياة بسبب المحرمات في علم الجمال، وفي الأحاسيس وفي الخيال، لقد استطاع بروست، الذي حُرم الشبان الأميركيين من قراءته، أن (يسمو) في تأمل بساط الحمام الذي أضاءته أشعة الشمس.  إن أبواب ثقافتنا قد أغلقت بإحكام في وجه (كيف نشعر) وعدّ الحلم عارضاً من أعراض العصاب ، وانتمى علم الجمال إلى الثقافات الاخرى ،وكان الفن كلمه فاحشة، وكانت السريالية لا تتلازم إلا مع فرحات دالي، ولم نكن نستطيع ان نميزها عندما تظهر على سبيل المثال في أعمال ناثانيل وست أو روايات هنري ميلر.

والمخدرات، بإغلاقها الباب على العالم الخارجي تنعش القدرة على الحلم ولكن هذه القدرة ليست مجرد شريط يُنظر اليه بسلبية، إن لها وظيفتين إبداعيتين إحداهما تحفظ النفس حية في لغتها المناسبة (من صور ومشاعر)، والأخرى تغذي الإبداع.  والاغتراب ينشأ من رفض معنى الحياة.. وفي اليوم الذي نكف عن التغذي بأنهار النفس، نشعر أن الحياة فارغة ونحن لا ندرك الاغتراب إلا عندما يظهر العصاب عارضاً من أعراضه .

عندما جعلنا شبابنا قساة لمواجهة (الواقع) عرّفنا(الواقع) بأنه غير سائغ لهم. لقد أزلنا حساسيتهم نحو الحقائق السيكولوجية، وشوهنا الفنان الذي يود أن يوسع خياله وشعوره دون أن يتعرض لآثار جانبية، وبالتالي، فإن الشّبان الذين تدربوا على السلبية والاستسلام، قد أصبحوا من خلال المخدرات، مبصرين في عالم الصور -لا مبدعين.

لا مفر للإنسان من الحلم، وعلى الانسان أن يتعلم العيش خارج التاريخ بالإضافة إلى عيشه فيه، وإلا سيصبح كالخروف المتأخر منجرفاً إلى أخطائه (التي هي كمخاوف النازية). إنه يحتاج الى جزيرة روحية  يمكنه فيها أن يجدد قوته، وقيمه المبعثرة ،وانفعالاته المجروحة ،وعهوده المتفسخة، إنها الحاجة إلى مختبرات النفس التي تعالج اليأس، والتشاؤم والهستيريا، والحياة الداخلية المحروثة المعاني بها، هي ينبوع القوة، أو نخلطها بالبرج العاجي المضطهد بشدة معناه أننا نفتقر إلى فهم البنية الداخلية التي نحتاج من أجلها إلى مقاومه الكوارث والأخطاء والمظالم الخارجية، وإذا أصررنا على العيش داخل التاريخ كأننا أصفار لا وجود لها، فإننا لا نضيف شيئا الى التاريخ .

من المهم أن نعود إلى التعريف الأصلي للكلمة التي نستخدمها كثيراً دون أية مبالاة. إن تعريف الحلم هو: الأفكار والصور التي توجد في الذهن ولا تخضع للعقل. وليس الحلم بالضرورة هو الصورة أو الفكرة التي تبدو لنا في النوم ، إنه مجرد فكرة أو صورة تنجو من سيطرة الذهن العقلي أو المنطقي أو السببي، و تأسيساً على ذلك قد يشتمل مصطلح الحلم على الفكرة الخيالية، والتصور وحلم اليقظة والرؤى والهلوسات الناتجة عن تأثير المخدرات -وأية تجربة انبثقت من مملكة ما وراء الشعور وهذه التصنيفات هي مجرد طرق لوصف الاحوال والمستويات المختلفة للوعي، والشيء المهم الذي يستحق أن تتعلمه من الفن ومن الأدب بخاصة ، هو الممر السهل بينهما والعلاقة والعصاب الذي يُحدث انشطارات ويقيم حدوداً دفاعية إلا أن الكاتب يستطيع أن يتعلم السير بين مملكة وأخرى دون خوفـ وأن ينشئ بينهما علاقة متبادلة وأن يصهرهما جوهرياً.