تتحدث آثر نفيسي في سيرتها المعنونة ” أشياء كنت ساكتة عنها” عن البطلات في التراث الفارسي، وتلفت النظر إلى دورهن ومكانتهن التي فرضتها حقيقة وجود المرأة الفارسية ومقاومتها.
رودبه (بطلة قصة من أشهر قصص التراث الفارسي تسمى الشاهنامه) واحدة من نساء كثيرات مهمات في “الشاهنامة” ممن ينتمين إلى أصل أجنبي. ويتذكرها الآخرون بشكل رئيس بوصفها أم رستم والد زوجها، وزوجها ولاحقاً ابنها هم الذين يقومون بأعمال فذة وباسلة، يذهبون إلى الحرب ويفوزون بالمجد من أجل بلادهم. إن حق نساء (الفردوسي) في المطالبة بالخلود يكمن في دورهن كأمهات كزوجات أو كعشيقات. إنهن يُبدين نوعاً مختلفاً الشجاعة، يفرضن على الآخرين الاعتراف بحقوقهن والوقوف بوجه التحيز بكل صنوفه ويخترن الرجال الذين يغرمن بهم. في العالم الموازي من القصة أبدع الفردوسي شخصيات تحدّت قواعد سلوك مجتمعها وحطمت محرماته. هؤلاء النسوة من دون أي إدعاءات شائعة بفجورهن الصريح والذي لا يمكن التخلي عنه، بإصرارهن الثابت كن رومانسيات جداً وكن يرقنني أكثر من أي بطل ذكر.
هؤلاء النسوة لم يطالبن بأشياء كبرى، ولم يسعين إلى إنقاذ الجنس البشري أو دحر قوى الشيطان إلا أنهن كنَّ مشغولات بتمرد هادئ ،وجسور ليس لأن ذلك سيجعلهن ينلن الأوسمة، بل لأنهن لا يقدرن أن يكن بخلاف ذلك.
ثمة نسوة في «الشاهنامه»، على غرار (غرد أفرد) الجميلة، أبدين الشجاعة، ولبسن زي الرجال وقاتلن في ميادين الحرب. إنما النساء من طراز رودبه هن اللائي زرعن في رأسي الفكرة المتعلقة بنوع آخر من النسوة، شجاعتهن خاصة وفردية هؤلاء النسوة لم يطالبن بأشياء كبرى، ولم يسعين إلى إنقاذ الجنس البشري أو دحر قوى الشيطان إلا أنهن كنَّ مشغولات بتمرد هادئ ،وجسور ليس لأن ذلك سيجعلهن ينلن الأوسمة، بل لأنهن لا يقدرن أن يكن بخلاف ذلك. لو كن ضيقات الأفق وسريعات التأثر، فإنها سرعة تأثر جريئة، متجاوزات كره النساء لدى خالقهن وأزمنته .
هؤلاء النسوة الاستثنائيات اللواتي تم إبداعهن في مجتمعات كهذه كارهة للنساء و تسلّطية، ومع ذلك هن مراكز مدمرة تتشكل الحبكة حولهن.
كانت قدواتي في طور نشوئي هن تلكم النساء المتخيلات في قصص والدي – وليس البطلات الخاملات في حكايات الجان، أو الفتيات الفاضلات اللواتي يكافأن بسخاء بسبب طيبتهن وحسن أخلاقهن، إنما النساء الإيروسيات والمنغمسات في الشهوات الحسية اللواتي أبدعهن خيال الفردوسي. ولاحقاً عندما قرأتُ «ويس ورامين»، الكتاب الذي أعطاني إياه عمو سعيد قبيل مغادرتي إلى بريطانيا، وجدتُ هناك حكاية استثنائية أخرى أثرتُ في تأثيراً عميقاً . في الكتب كلها يمكنني أن أكتشف الأثر الخفيف للشهوانية المكبوتة الآتية من خلال الصور المثالية للنساء. قصة ويس” ورامين المكتوبة بعد «شاهنامه» الفردوسي بأربعين سنةً، تجري وقائعها في إيران الزرادشتية ما قبل الإسلام ويبدو أنها محاولة أخرى للاحتفاء بثقافة إيران في الماضي، واسترجاعها. تُروى القصة بشكل رئيس من وجهة نظر بطلتها الحسناء الجريئة (ويس) . ثمة دنيوية بليغة، ونشاط جنسي معافى في ويس وضعا الطبيعة البشرية تحت تصرّف التجريد الشعري . فكرتُ: انظري إلى هؤلاء النسوة الاستثنائيات اللواتي تم إبداعهن في مجتمعات كهذه كارهة للنساء و تسلّطية، ومع ذلك هن مراكز مدمرة تتشكل الحبكة حولهن. من المفترض أن يدور كل شيء حول البطل الذكر. لكن الحضور المؤثر لهؤلاء النسوة هو الذي يغير الأحداث ويحوّل اتجاه حياة الرجل عن مسارها التقليدي، ويصدمه كي يغير طريقة وجوده بعينها.
هؤلاء النسوة يميزن أنفسهن من خلال قولهن لا لسلطة آبائهن ولمجتمعاتهن، ولقواعد السلوك، ويطالبن بالزواج من الرجل الذي يخترنه ربما لأنهن على وجه الدقة محرومات من أشياء كثيرة جداً في حيواتهن الحقيقية بحيث أصبحن مدمرات جداً في دنيا الفن القصصي،
في السرد الإيراني الكلاسيكي تهيمن النساء النشيطات على المشهد؛ إنهن يجعلن الأشياء تحدث. وفيما كنتُ أتابع قراءة الشعر الإيراني لم أندهش من أنه ما يقرب من ألف سنة بعد أن خلّد غورغاني ويس في قصيدته، لدينا امرأة تُدعى فروغ فرخزاد التي تحتفي بعشيقها في قصائد تمتاز بالصدق وبالشهوانية التي لا تعرف الخجل. كانت أفضل أشعارنا على الدوام كاسرة للقواعد دوماً تعيد تعريف وتعيد تشكيل الواقع وإدراكنا له. أجد آثاراً من هؤلاء النسوة المتمردات في الشاعرات المعاصرات . ليس فقط فروغ فروخزاد بل علم تاج وسيمين بهبهاني، وفي أعمال الفن القصصي الغربي، في شخصية (كاترين إيرنشو) عند إميلي برونتي و (إليزابيث بينيت) عند جين أوستن و (دوروثيا بروك) عند الكاتبة جورج إليوت، و(جين آير) عند شارلوت برونتي، و (مدام دي لا مول وماتيلدا) عند ستندال. وحتى (صوفيا ويسترن) ذات السلوك المعتدل في رواية توم جونز و(كلاريسا هارلو) الورعة بصورة مزعجة عند ريتشاردسون. هؤلاء النسوة يميزن أنفسهن من خلال قولهن لا لسلطة آبائهن ولمجتمعاتهن، ولقواعد السلوك، ويطالبن بالزواج من الرجل الذي يخترنه ربما لأنهن على وجه الدقة محرومات من أشياء كثيرة جداً في حيواتهن الحقيقية بحيث أصبحن مدمرات جداً في دنيا الفن القصصي، ورفضن السلطة المفروضة عليهن، وكسرن قيود البنى القديمة، ولم يخضعن لشيء أو أحد.