مقالة مقتبسة لفارس الشدياق جاءت في مجموعة الأعمال المجهولة من دار رياض الريس بتحقيق فواز طرابلسي وعزيز العظمة. يتحدث فيها الكاتب عن مقارناته ومطالعاته لحال المرأة الأوروبية والمرأة العربية في موضوعات العمل والتعليم ومخالطة الرجال أنقل في هذه التدوينة الجزء الثاني وفي الجزء الثاني يتناول الكاتب حجج الفريق الذي يرى عدم أهمية تعليمها وخطورة خروجها واختلاطها
أحمد فارس الشدياق: أديب وشاعر ولُغوي ومؤرخ، وأحد رواد النهضة العربية الحديثة. عاش في في الفترة ما بين (١٨٠١م–١٨٠٥م) بقرية «عشقوت» في لبنان
بداية النص:
والجواب من الفريق الآخر الذي يحظر النساء عن القراءة والكتابة أن النساء من طبعهن و طباعهن وطبيعتهن المكر والدهاء” والغش والخيانة والمداهنة، فلا ينبغي الركون إليهن بشيء ولا الاعتماد على رأيهن فإنهن ناقصات عقل ودين. والويل لمن يودع سره عند امرأته أو يطالعها في أمره كيف يفعل، فإنها لا تلبث أن : تبوح بسره للجيران وتفضحه عند البعيد والقريب. وفي الحقيقة فإن المرأة عدو ألا وهي الرجل في زي صديق ولكها شر فما يكاد يحدث في الكون شر إلا وهي أصل له وهذا أمر مسلم تشهد له جميع التواريخ القديمة والحديثة. ومن ظن أن امرأته تحفظ عليه سره أو عهده أو عرضه لأجل حلي يزينها به أو لأجل ملاطفة يعاملها بها فقد ضل ضلالاً مبيناً. إذ هي لا يرضيها شيء إلا الخيانة والغدر فمهما أحسنت إليها ومهما أسديته إليها من الرفق واللين فلغير فائدة فلا بد من رجوعها إلى جبلتها الأصلية التي فطرت عليها. فإذا رأيتها مرة ساهية أو مفكرة فاعلم بأن فكرتها تجول في ذلك ولهذا كان غالب الرجال يختارون أن يشتروا نساءهن بالعين لكي يظهروا لهن أنهن في قيمة المناع الذي يباع ويشترى لا أن يتزوجوا بنات الحرائر فإنهم عند ذلك يضطرون إلى مجاملتهن و ملاطفتهن وملاطفة أقاربهن جميعاً. فإن المرأة إذا علمت أن أباها أو أحداً من لها ويجيرها من زوجها زادت شرة وسفاهة فلا تقف عند ذلك على حد. وكلما عن لها وجه الخيانة قالت: إني سائرة لمشاهدة أمي وأبي فتتخذ أباها وأمها وسيلة لتنفيذ مرامها بخلاف ما إذا كانت أسيرة مشتراة بالدرهم فإنها تعدم هذه الوسائل فتذل بعض الذل وتسكن في بيتها. قال أما إكثارنا منهن فليس من شغفنا بهن ولامن حرصنا عليهن، إذ هن لدينا بمنزلة المتاع وإنما هو لنضرب بعضهن ببعض و لنلقي بينهن الغيرة والتنافس في إظهار ذلهن وعبوديتهن لنا والمسابقة إلى طاعتنا وخدمتنا. ومن كان له زوجة واحدة فلا تلبث أن تنشز عليه وتنبذ طاعته ظناً منها بأنه محتاج إليها ولا يجد عنها غنى. ومهما يكن من الاكثار منهن او من الاقتصار على إحداهن، فلا ينبغي للرجل أن يماشي امراته في الأسواق أو أن يركب معها في كروسة واحدة أو أن يؤاكلها أو يشاربها أو أن يطيل مجالستها و محادثتها لكيلا تظن أنه مفتقر إليها وكلف بها ولا عيب في استانبول أكبر من أن يرى الرجل ماشياً مع امرأته في طريق واحدة. والعيب كله أن يركب معها في كروسة أو يجلس بجنبها في سفينة وكلما دخلها رجل أو خرج منها يصفه لها ويطلعها على حقيقة أحواله كما يفعل ذلك بعض ذوي السخافة والركاكة المفتخرين بمحادثة النساء والمتلهين بأخس الأشياء.
فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن. فإنهن لما كن مجبولات على الغدر كما تقدم، كان حصولهن على هذه الملكة أعظم وسائل الشر والفساد. أما الكتب فإنهن لا يقرأن منها شيئاً إلا ما كان مخصوصاً بالعشق وحيل النساء. وسواء أردت أو لا فإنهن يجلبنها من أقصى محل في الأرض ويحفظن عن ظهر القلب كل ما فيها. وأما الكتابة فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها فإنه يكون رسالة إلى زيد ورقعة إلى عمرو وبيتاً من الشعر إلى عزب وشيئاً آخر إلى رجل آخر. فمثل النساء والكتب والكتابة كمثل شرير سفيه تهدى إليه سيفاً أو سكير تعطيه زجاجة خمر. فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجه في حالة الجهل والعمى فهو أصلح لهن وأنفع ولو شاء الله تعالى أن يخلقهن كالرجال في جودة العقل وصواب الرأي وحب الفضائل لفعل. إلا أنه تعالى لم يخلقهن كذلك بل جعل للرجل فضلاً عليهن ومزية فالرجال هم القائمون بأمور الدنيا وهم الذين يسوسون الناس ويحكمون بينهم ومنهم ذووا الإمارة والسيادة والعلم والجهاد والبناء والحرث وعمران البلاد وغير ذلك. وليس للمرأة نصيب من هذا البتة وإنما هي متاع لحفظ متاع البيت ووعاء لصون مادة النسل لا غير. ومع كونهن يعلمن هذا من أنفسهن حق العلم فكثيراً ما يحاولن أن يتشبهن بالرجال بل يتكبرن عليهم. فأفٍ للرجل الذي يرى امرأته أنه عديلها أو أنه عاجز عن شراء غيرها أو أن فيها من المزايا ما ليس في أخرى سواها. وآخر الكلام أن التذلل للمرأة والركون إليها ينافي الحزم والرجولية. هذا رأي جميع العقلاء.
فأجاب زير النساء قائلاً: إن قول خصم النساء أن المكر والدهاء والغش والخيانة من طبعهن و طباعهن مبني على أنه أخذ امرأة خائنة مداهنة وقاس عليها على هذه الصفات الذميمة. على إنا لو سلمنا ذلك لما كان إلا في حق النساء العاريات عن الأدب والمعارف وهن اللواتي يعتقدن بأنهن مخلوقات للفراش فقط لأنهن لم يربين في التقوى والفضائل فنشأن على الفطرة الأصلية. فبدل أن امرأة قد بلغت من خمساً وعشرين سنة مثلاً جامحة في ميادين الخلاعة والهوى ثم تتخذها مثالاً لجميع النساء، تصور بنتاً بلغت سبع سنين فقط وتصور ما هي عليه من الخفر والأدب والحياء. فإذا أخذتها وأحسنت تأديبها وتربيتها وعلمتها القراءة والكتابة والحساب وبعض ما يليق بالإناث أن يتعلمنه من الصنائع كالخياطة والتطريز إلى أن تبلغ خمس عشرة سنة ثم زوجتها ذا أخلاق حسنة وتربية كاملة مثلها، فلا يحتمل في الإمكان أنها تخونه. وقس على ذلك سائر البنات. فتكون خيانة النساء إذن من عدم تربيتهن لا من طبيعتهن. أما قوله إن تعليم النساء القراءة والكتابة أضر شيء بهن إذ يحملهن على مكاتبة الرجال فنقول إن العلم والتعليم هما في نفس الأمر نور العقل وهما بمنزلة المصباح الذي يحمله الساري ليهتدي به فإذا لم تأتمن المرأة على حمل هذا النور لم يكن لك أن تأتمنها على حمل أي نور كان مخافة أن تحرق البيت به ولزمك أيضاً أن لا تأتمنها على إبرة مخافة أن تفقأ عينك بها. فقل لي بحقك واصدق في المقال: أيما أجمل بالمرأة أن تقعد مطالعة لبعض الكتب المفيدة وتقول هذا إشارة إلى آية كريمة أو حديث شريف أو واقعة مشهورة أو مثل سائر أشوق للرجال من أم تقول في ضم طرفي الفرجية إشارة إلى تمني الوصال أو إصلاح النقاب من وراء إشارة إلى أمر ناظرها بالاتباع أو أن إمالة الشمسية من جهة إلى جهة يشير إلى كذا وكذا؟ فلعمري أن حصول النساء على ملكة القراءة والكتابة وعلى الأدب والمعارف هو أجمل شيء بهن وهو الجمال والحلي والجواهر. فالأدب للمرأة يغني عن الجمال لكن الجمال لا يغني عن الأدب. لأن الجمال قصير العمر لا يدوم | لأحد مدة عمره كله. فإذا زال جمال المرأة ولم يكن لها من الأخلاق الحسنة والصفات المحمودة ما يسد مسده غدت من سقط المتاع. وما عدا ذلك فإن أدب المرأة يؤثر كثيراً في أخلاق أولادها إذ البنت الصغيرة متى رأت أمها مقبلة على مطالعة الكتب وضبط أمور البيت والاشتغال بتربية أولادها، جذبها الشوق إلى أن تكون مثل أمها بخلاف ما إذا رأت أمها مقبلة على التزين والتبرج وإضاعة الوقت بالأحاديث الفارغة والزيارات الغير اللازمة، فإنها تتخيل أن النساء كذلك. وأنها حين تبلغ مبلغ النساء تفعل فعل أمها وتزيد شيئاً وقد نرى كثيراً البنات اللواتي أهملت تربيتهن وتأديبهن متى بلغن مبلغ النساء فما يخطر ببالهن شيء إلا الزواج. وكلما مضى عليهن يوم من دون سماع خبر عن فتى عازم على الزواج حسبنه عاماً وكلما رأت إحداهن عجوزاً مقبلة ظنت أنها إنما جاءت لتخطبها لبعض الشبان أي شاب كان. فشتان ما بين هذه وبين من تعتمد على معارفها وآدابها وتعلم أن الناس يكرمونها ويلهجون بذكرها. لا جرم أن جهل النساء وإهمال جميع من جميعاً تربيتهن على صغر هو الذي يحملنهن على ارتكاب الفساد والشر الشطط والضلال والوساوس.
فمن ذلك كونهن يعتقدن أن هؤلاء الخوجات الدجالين هم قادرون على كل شيء. استغفر الله وأعوذ به من الجهل. فمنهن من تذهب إلى أحدهم وتشكو إليه عقمها وأنها إذا مات زوجها وهي على هذه الحالة تحرم من ميراثه، ومنهن من تشكو إليه أن زوجها يعشق جارية لها أو أنه قد اتخذ عليها ضرة فيضحك عليها ببعض خطوط إلى بخطها لها فتأخذها معتقدة بأن فيها سراً فإذا لم تجد منها نفعاً وهي قصدت غيره. ولا يخفى أن كتب هذه الخطوط لا يكون إلا بدفع أجرة وافية عليها. وقد بلغني عن بعض الأمراء أنه غاب عن داره وترك فيها زوجتين له فلما استطالتا غيابه صارتا تتنافسان في بذل المال للخواجات لسرعة حضوره. فكانت هذه تنفق من جهة وتلك من جهة أخرى حتى بلغت نفقتهما خمسمائة كيس تماماً. فلم يرد باخسُ النساء أن يسمع من زيرهن كلاماً في حقهن في شهر رمضان المبارك لاعتقاده أن الكلام فيهن في هذا الموسم الطاهر غير لائق. مع أنه كان أسبق الناس إلى مغازلتهن في سوق التحف وإلى ضغطهن وقرصهن ومرثهن ومرسهن وملثهن وهو من جملة الأفعال البشرية المتناقضة. فإن الإنسان لا يستقر على شأن كما أن من يحامي عن حقوقهن ويحترم مقامهن لا يتهافت على مداعبتهن وممازحتهن بمثل ما يتهافت به المحتقر لهن والمزدري بهن.
فلما أن حان وقت الكلام للزير المذكور، استمر فيما أشار إليه أولاً من جهل النساء فقال: نعم إن جهل النساء ليرميهن في مهالك عظيمة وأضاليل مشؤومة. فإن المرأة إذا كانت جاهلة لا تقف على حد من الزيغ والهوى والمنكر والوساوس والأوهام فتحرم ما حلله الله وتحلل ما حرمه الله. وكلما رأت رجلاً مخالفاً للناس في لباسه ظنت أنه قادر على تنويلها اربها بل لو رأت رجلاً مجنوناً يمشي في الأسواق عريانا ظت أن فيه سراً إلهياً فهرعت إليه وحرصت عليه وشكت له ما نابها من زوجها وجيرانها. ولهذا كثر اليوم المدجلون المدلسون المغيرون لزيهم واطوارهم وسمتهم وهديهم إذ رأوا حرفتهم هذه أنفع لهم من العلم والاجتهاد. فإذا سالتهم عن كدهم ورزقهم، قالوا: إنا نعيش من رزق الله إذ لا صنعة لنا ولا احتراف. فالله سبحانه وتعالى يلهم بعض النساء الخيرات فيقصدننا ويعطينا شيئاً. ولكن ما بال هؤلاء الخيرات يقصدن هؤلاء الخيرين إلا فيما يتعلق بأمر الزواج والطلاق واتخاذ الضرائر والحبل والانباء بالغيب. فهذا يقرب من الكفر إذ لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. فلو كن متصفات بالعلم والفضائل لما أضعن أموالهن على أمثال هؤلاء الدجالين بل كن يسعين في إرضاء بعولتهن وتربية أولادهن كما هو واجب عليهن و يفوضن أمرهن إلى الله سبحانه فهو الذي يعطف قلوب أزواجهن عليهن ويمنعهم من اتخاذ الضرائر و التسري عليهن. لكنهن أبين إلا أن يجعلن لله شريكاً في القدرة والتأثير فقل اعتمادهن عليه و ثقتهن به. فكلما نابهن أمر أسرعن إلى أحد ها د هؤلاء المحتالين وشكون إليه بثهن وبثثن شكواهن واستخبرنه عن العاقبة والمآل فساء الجهل صاحباً وبئس الضلال مركباً. ألا وإن الجهل لا غيره هو الذي أغراهن بالاكثار من الحلي والملابس الفاخرة والسرف في النفقات والتبرج والبطالة والخوض في الأحاديث الفارغة. لعمرك ليس الماس بمخلص نصحاً ورأياً وليس الياقوت بمرشد إلى إرضاء الزوج ولا الزمرد بمربٍ للأولاد فهذا كله متاع فان وزينة فارغة. فليست زينة المرأة الحقيقية سوى الفضائل والأدب ولا يمكن الحصول عليها إلا من الكتب والعلم. وفضلاً عن ذلك فإن المرأة إذا كانت جميلة كانت غنية عن الحلي وإذا كانت قبيحة لم تكن الجواهر جمالاً لها. كما قيل ليس الجمال بمئزر. فاعلم وإن رديت برداً أن الجمال معادن ومناقب أورثن حمداً فهل يتأتى لعاقل أن يقول إن النساء إنما خلقن لاتخاذ الجواهر والبطالة لا لتعلم القراءة والكتابة. أما قولك إن المرأة متى تعلمت القراءة والكتابة فأول شيء أن تكتب رسالة إلى عاشقها فهو من أكبر تفعله هو الأضاليل. فإن المرأة الفاضلة المتأدية لا يكون لها عاشق إذ هي ” تعلم لا يجب عليها لله ولزوجها ولأبويها. فأما إذا كانت شريرة فلا تعوزها الفرصة لاتخاذ عجوز بدل الرسائل فإن العجائز الجاهلات علمنا هذه صنعتهن. ولقد التجربة وما بعد التجربة شاهد من المرأة إذا كانت مولعة بالمعارف وبقراءة الكتب المفيدة تكون أقل حيلة ومكراً من المرأة الخالية عن ذلك وتكون أيضاً أقل كلاماً فإن المعارف تشغلها عن ارتكاب الامور المنكرة. فكلما رأيت امرأة جاهلة بطالة، فاحكم بأنها كثيرة المكر والكلام، فلا يكون لها شغل سوى في الحديث على اللبس والزينة وخلب عقول الرجال في محبتها وكيد زوجها ومن خالفها، فمن ثم تقصد امرأة بطالة مثلها وتفاوضها فيما دبرته و أضمرته. فإذا خرجت من عندها وعلمت أنه بقي في خاطرها شيء لم تذكره قصدت أخرى وأخرى. وهكذا فتقضي أوقاتها بالبطالة والضلالة ولا سيما إذا كان عندها جارية مكلفة بتدبير منزلها فإنها تلقي عليها جميع أمور البيت وتسرح في طلب الحديث الباطل. فأي الرجال، هداك الله، يرضى بأن يكون له زوجة مثل هذه، وأيهم لا يريد كبح النساء عن غوايتهن و شهواتهن ولا كابح لهن إلا المعارف. فأما إن ظنت العصا كابحاً لهن من بعد أن عودتهن على الحلي و السرف في النفقات والمفاخرة بالرياش والمتاع فقد أخطأت ظناً وأبديت أفناً هذا في البلاد التي تكلف فيها النساء أعمال الرجال من نحو الحرث والحصد والطحن والخبز. على أن النساء اللائي يباشرن هذه الأعمال غير محوجات أزواجهن إلى التوبيخ والتقريع فضلاً أنهن أحسن حالاً وأهنأ عيشاً معهم من نساء الجواهر والحلي.
(قال الزير) ورب قائل يقول كيف يمكن أن النساء اللائي يباشرن الحرث والحصد والطحن والخبز والغسل وغير ذلك من الأعمال الشاقة يكن أسعد حالاً و أهنأ عيشا مع أزواجهن من النساء المتحليّات بالملابس الفاخرة المتجليات بالجواهر الباهرة الراقدات على فرش من النعام الطاعمات في كل يوم عشرين لونا من الطعام الذائقات جميع بقول الأرض وثمرها وفاكهتها ولحومها وألبانها ومسمناتها ومسمنات البحر معاً، الخارجات في هوادجهن كأنه على سرر مرفوعة وفرش منضودة فلا يعرضن وجوههن لحر الصيف ولا لبرد الشتاء ولا يخطر ببالهن غير الرفاهية والهناء والتنعم والصفاء. فأيديهن لا تزال ناعمة وبشرتهن براقة وأسنانهن حادة ومعدهن لهامة. وبذلك تبقى صحتهن معتدلة فيزددن حظوة عند أزواجهن وطول عمر وتمتع. وهل العيش إلا هذا فهل من الممكن أن يقاس الفقير بالغني والشقي بالسعيد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كاد الفقر يكون كفراً». فإن شأن الفقير أن يكون أبدا شاكياً مدمدماً متظلماً مجدفاً أي مستقلاً لعطاء الله تعالى وبما يعرض له من الفاقة والاحتياج إلى اللوازم الضرورية ما تختل به صحته، ومتى اختلت صحته اختل عقله ومتى اختل عقله اختل دينه. فنعوذ بالله من الفقر ونستعين به على الغني فإن الغني بيني المساجد لله وينشىء للناس المكاتب والمستشفيات ويغيث الأرامل ويربي اليتامى وينفع جميع العباد. فيحصل على سعادة الدارين ويغتنم الأجر والثواب من الخالق عز وجل والمدح والثناء من المخلوق. ويا لها من غبطة. قلنا هذا صحيح من وجه فإنك إذا عنيت بالفقير أنه المحتاج إلى بذل ماء وجهه في السؤال و التكفف، فهذا لا شك مذموم. وكذا إذا عنيت بالغني أنه السخي المتصدق المتبرع بفعل الخيرات وسد الحاجات فهذا محمود عند الله والناس. إلا أني لا أسلم بأن النساء اللواتي يساعدن أزواجهن على الأعمال فقيرات وكذا الرجال الذين يكدون بأيديهم لتحصيل معيشتهم. وإنما الفقير هو المتبطل المتعطل الذي يقضي أوقاته في اللعب والحديث الباطل، على أني أقول: إنه لا يكاد يكون فقير إلا من الكسل. ولا لذة في العيش إلا يحسب نصباً ولا شقاء كما أن مع العمل. فالعمل على هذا لا البطالة لا تحسب راحة ولا هناء. لا جرم أن أشقى الناس من لزم الكسل والبطالة وركب الغواية والضلالة ومن الثابت المعلوم أن من وأطول أعماراً وأكثر أولاداً. فحظوة المرأة الحقيقية إنما هي أن تعاون زوجها على أعماله وأشغاله وتعيش معه بالوفاق والرفاء. ومن المعلوم أن النساء العاملات يكن أصح أبداناً من النساء البطالات المترهلات وأطول أعماراً وأكثر أولاداً. وحظوة المرأة الحقيقية إنما هي أن تساعد زوجها على أعماله وأشغاله وتعيش معه بالوفاق والرخاء، ومتى جلسا للطعام المكتسب من كد أيديهما وعرق جبينهما وحولهما أولادهما استطيباه واكتفيا به. وحمدا الله على ما رزقهما من فضله و اهتما من بعد ذلك بقضاء الواجب عليهما والله سبحانه وتعالى يبارك في عملهما و يوفقهما إلى الخير والفلاح. فهذا هو الحظ وهذه السعادة. ومما نسب إلى سيدنا سليمان عليه السلام أنه قال: لكسرة خبز مع الوئام خير من جدي حنيذ مع الخصام. وأعود فأقول إن الفلاح مثلاً أو صاحب الصنعة إذا كان عيشه مع زوجته على الصفة التي ذكرتها هو أسعد حالاً من الغني المشتت الأفكار ما بين أن يكون زائراً مرة ومزوراً مرة أخرى ولا سيما إذا كان أسير هي ديناره ولا يرعى ذمة جاره. ألا وإن تلك المائدة الصغيرة المشتركة بين المتعمل الكاد على عياله وبين زوجته وأولاده وتلك القدر التي يتعاونان على طبخها لأهنأ وأمرأ من تلك الموائد الكبيرة التي يخصصها الأغنياء ويفردونها ويفرزونها بعضها لأنفسهم وأقرانهم وبعضها لحريمهم وبعضها لبنيهم وبعضها لبناتهم وبعضها لعبيدهم وبعضها لجواريهم. فهذا كله عناء الروح وتعب النفس وقلق الفكر. إلا أن سبحانه وتعالى لم يخلق الناس كلهم على سحنة واحدة أو حالة واحدة. وما أنا ممن يزدري بالغنى إذا كان يصرف في وجهه أعني في البر والإحسان وإغاثة المحتاج إذ الغنى فضل من المولى تعالى ونعمة، إلا أنه في الغالب يوقع صاحبه في محن شهوات مضنية وفتن أهواء مُردية وشجن مطامع مغوية، حتى تذهب عنه لذة القناعة ويضل عن عمل الخير. وقد قال البوصيري رحمه الله والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وأن تفطمه ينفطم. وقد يصعب على الغني الغوي أن يفطم نفسه عن الشهوات حالة كون الغنى ثدياً داراً للهناء فينبغي للبيب أيها الحبيب أن لا يأخذ دائماً بظواهر الأشياء فإنه يزل ويضل. بل ينبغي فكره فيما وراء ما ينظره. فما ترى من خروج و صلفهن و تألقهن بالحلي والجواهر والملابس ليس دليلاً على غبطتهن ولو كن حاصلات عليها في ديارهن لما كن يكثرن من الخروج والزيارات والتلهي بالبطالة فمن المحال أن يحصل الإنسان على غبطة تامة من دون دون أن يباشر عملا ينفع به نفسه وذويه وأهل بلاده. فما عمل هؤلاء النساء البطالات الغاويات المتشهيات المُسرفات اللاغيات الراغيات ليلاً ونهاراً؟
(قال الزير): ومتى اجتمع بالمرأة السرف والبطالة والجهل كانت وبالاً على زوجها وعلى أهلها بل على أهل البلد جميعاً. لكن الجهل أصل كل فساد ورذيلة فإن المرأة العاقلة اللبيبة تتجنب البطالة كما نتجنب الداء وتنكر السرف كما تنكر البلاء. وللسرف حد يقف عنده المسرف كما أن للبطالة موانع وعوائق تحوج صاحبها إلى الاقلاع عنها سواء أراد أم لم يرد. وقد يستوي في البطالة جميع الناس في المنام وكذلك المسرف والمقتصد يستويان فيه إلا أن الجهل ليس له حد. وليس النوم أيضاً بمانع منه. فإن المرأة الجاهلة إذا رأت في منامها شيئاً أنزلته منزل الوحي والالهام فاستخرجت منه معاني تزيدها ضلالاً وغواية فتكون اليقظة والنوم عندها على حد سوى. بل ربما كانت رؤيا النوم عندها أكثر تأثيراً وأبلغ فعلاً من رؤية اليقظة فتهرع إلى أحد الخواجات ليفسر لها منامها فيزيدها ضلالا على ضلال وخبالا على خبال. ولا يزال دأبها التشاؤم والتطير والتفاؤل بكل ما تراه وما تسمعه وبما يوسوس به إليها خناسها حتى تسكر من الغواية والهوى ويكل عنها حد كل انذار ونصيحة ويهون عليها كل فظيعة وفضيحة. ومن تأثير الجهل أن النساء هنا يعتقدن بعض أن من العلل والأمراض ما هو كاور أي كافر فيقصدن بعض القسيسين ليداويهن منه، ويروى عن واحدة منهن زعمت ان في ولدها . من هذه فأخذته إلى باباص بجوار بایزید علة فأخذ ماء ونفخ فيه ثم سقاه الولد وغسل به وجهه وأعطاها شمعة صغيرة على سبيل البركة. فرجعت وقد اعتقدت اعتقاداً تاماً بأن ابنها شفي وأشاعت ذلك في جميع من دون نكير وهذا الأمر ثابت لا شك فيه
فتعالوا أيها المؤمنون وانظروا ما تفعله المؤمنات اللواتي يغسلن البن وغيره بدعوى أنه يتنجس من أيدي النصارى ثم يستشفين بماء قسيسيهم. تعالوا أيها المسلمون وانظروا ما تفعله المسلمات الغاويات اللواتي لم يبلغهن قط قوله تعالى في سورة المائدة آية 56 وقوله تعالى: «قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب، وقوله: ( وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو وقوله: «وقل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون« وقوله: «أم عندهم الغيب فهم يكتبون، وقوله: وعنده علم الغيب فهو يرى« وقوله: «وما كان الله ليطلعكم على الغيب، وقوله: «اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداه . تعالوا انظروا إلى هؤلاء اللواتي دأبهن اتخاذ أدوية للحبل وخرزات للمحبة وتمائم لكشف الضر وتعاويذ لإقبال الحظ ولم يسمعن قط قوله تعالى: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وقوله أيضاً: «وإذا مرضت فهو يشفين، وقوله: «وما تخرج من ثمرات أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه« وقوله: «والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً من وهم يخلقون « وقوله: «قل من يرزقكم من السماء والأرض« تعالوا انظروا إلى هؤلاء المسرفات المرحات الفرحات ولم يخطر ببالهن قط قوله تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما« وقوله أيضاً: «إن الله لا يحب المسرفين» وقوله: «ولا تمش في الأرض مرحا« وقوله: «إن الله لا يحب الفرحين« وهذه الأفعال السمجة إنما يكثر وقوعها في دار الآستانة دار الكياسة والأدب والظرافة واللطافة دار العلوم والمعارف والدراية والنجابة دار الهدى والرشاد والقصد والسداد. فما ظنك بغيرها من بلاد الأناطول.
ولقد بلغني من الصدوق أن نساء محلة من محلات الآستانة يهرجن الآن ويمرجن في حديث بقرة تكلمت. وذلك أن غلاماً كان يقود بقرة فالتفتت إليه وقالت له: إذهب إلى أبيك وقل له يتوضأ ويجيء فإني أريد أن أطلعه على أمر. فذهب الغلام وأخبر أباه فأقبل يسعى إلى البقرة فقال لها: ما الخطب؟ قالت: فليستعد الناس لشر عظيم فإنه في عيد الأضحى تكون ملحمة عظيمة. قال الراوي فقلت لإحداهن: تلك ملحمة الضحايا فما على الناس من بأس. وأخبرني آخر أن خاتوناً جليلة الشأن خيل إليها أنها في الشهر الرابع من حبلها ولم تحس بحركة الجنين فانطلقت إلى إحدى القوابل فجعلت القابلة تلكز بطن المرأة وتصفر للجنين فلما لم تر الخاتون فائدة من اللكز والوكز سارت إلى باباص فسقاها من الماء المطهر وقرأ عليها بعض كلمات وإذا بالجنين قد ارتكض في بطنها فرجعت مسرورة مستبشرة وأشاعت ذلك عند معارفها. فيا للعجب ما بال نساء النصارى لا يقصدن أئمة المسلمين وعلمائهم للاستشفاء بهم.
(قال الزير): ولكن ما بالي ألوم النساء خاصة على الجهل دون الرجال والحال أنه لولا جهل الرجال وغباوتهم وسوء ظنهم وزيغهم لما وصلت النساء إلى هذه الدرجة من الجهل والاسترسال إلى الأحلام والعقائد الفاسدة وتضليل الخواجات والاستشفاء بالقسيس. فالحق في ذلك كله على الرجال إذ كان ي يجب عليهم أن يعلموهن ويهذبوهن ويطلعوهن على الحقائق، لا أن يحملوهن على الاعتقاد من زعم أن النساء أصل جميع الشرور فإن الحق فيه على الرجال بأنهن مخلوقات للزينة والفراش فقط. وهذا أيضا جواب عن زعم أيضاً إذ من المعلوم أن النساء لا تحارب ولا تقاتل ولا تصول ولا تسطو بل ولا تخدش أحداً وإنما تطلب من الرجال أن يفعلوا ذلك. والرجال من سفههم وهواهم وقلة تدبرهم في عواقب الأمور يلبونهن و يطيعونهن ويهلكون الأموال والأرواح ويخربون البلاد في حبهن. فكم من سفيه ألقى نفسه في تهلكة لأجل غمزة عين وأهلك جاره لأجل ابتسامة أو إشارة بالحاجبين. فإذا كانت المرأة تدعو الرجل إلى السفاهة والغواية وهو يلبيها فأيهما الملوم مع أن الرجل أبدأ يفتخر بأنه حكيم رشيد لبيب وما يعجبه في الدنيا بأسرها غير تدبير نفسه. فتأمل، هداك الله، في ظلم الرجال لأنهم لم يكفهم الاستبداد بالإمارة والسيادة والحكومة والولاية والسياسة حتى نسبوا الشر والفساد كله إلى النساء وبرأوا أنفسهم مما يأتونه من ذلك. أما قولك أنكم تشترون النساء و تنزلونهن منزلة المتاع، فلعمري أن هذا القول ليس بقول رجل رشيد. لأنك إذا كنت أنت تشتري امرأتك وغيرك أيضاً يشتري امرأته، فمن يتزوج بنات الأحرار؟ وإذا كان لك بنت فمن يتزوجها؟ وبعد فاسمح لي أن أسألك سؤالاً وجيزاً ولا يكن سبباً للغضب ما بيننا، فقال الرجل: سل ما بدا لك. قال: ألك زوجة؟ قال: نعم. قد اشتريتها مذ عهد فعلمها قريب وهي صبية. قال: إذا شئت أن تتحقق صدق قولي فعلمها القراءة والكتابة على سبيل التجربة وبعد ذلك إذا رأيت ضرر هذا التعليم أكثر من نفعه، فقد من علي باللوم والتفنيد وإن شئت فبالصفع أيضاً. وإلا فكن لي من الشاكرين. وقد نرى أناساً كثيرين يسافرون في البراري والقفار ويخوضون البحار لأجل التجربة والاختبار فما عليك من بأس إذا باشرت هذه التجربة وأنت في دارك واكتم ذلك عن جارك. فطفق الرجل يفكر ويقدر ويعمل رأيه ويدبر حتى قال له: سأفعل ذلك، إن شاء الله. ثم تفارقا مفارقة الاخوين. وكان من العزف بآلة من الزير أشد فرحاً بقبول هذه النصيحة وأقر عيناً. فلما أن عاد الرجل إلى بيته سأل امرأته هل تريدين أن تتعلمي القراءة والكتابة؟ فقالت: لا أريد إلا ما أردت. ثم جعلا يبحثان عن امرأة معلمة و يسألان كل معارفهما عنها فكان الناس يضحكون كلامهما فقال الرجل في نفسه: يا للعجب. إن بلدنا يحوي كل ما تشتهيه الأنفس من الحرام والحلال، فكيف لا يوجد فيه امرأة تقرأ وتكتب؟ فلما أعيته الحيلة أراد أن يعلم امرأته شيئاً آخر فخطر بباله أن يعلمها آلات الطرب التي تلائم النساء كالقانون مثلاً. فرجع إلى البحث عمن تحسن هذا الفن، فلم يجد حتى قيل له أن نساء الإفرنج يعلمن العزف ولكن على آلتهم التي يقال لها بيانو. فقال: ما تطربني نغمات الإفرنج ولا موجب للحصول على ما لا يطرب. ثم زاد به القلق والحيرة لعدم وجود من تقرأ ومن تكتب ومن تعلم الموسيقى. وجعل يخوض في هذا الحديث مع كل من يحادثه حتى أنكروا عليه هذا الأمر وظنوا أن به لمما فتجانبوا عشرته وملوه وكادوا أن يخرجوه من محلتهم. فرجع إلى الزير وهو يقول: أصلحك الله، أيها الزير المشير السديد التدبير، لقد ألقيت بيني وبين جيراني العداوة والبغضاء وكدت أكون عندهم صاحب بدعة. ثم أطلعه على القصة والشأن، فقال له الزير: لا بأس. هون عليك. فإني كنت علمت زوجتي القراءة والكتابة والألحان خفية فأنا أرسلها إلى زوجتك لتعلمها. ولكن فليكن هذا الأمر مكتوماً عن الجيران إلى أن يهتدوا لما ينفعهم ويتجنبوا ما يضرهم ويظهر عندهم فضل تعلم النساء. فإن قومك لا يكادون يفقهون حديثاً. فسر الرجل بذلك غاية السرور وشكره على هذا السعي المبرور”