هنري كسنجر، هو سياسي أمريكي، ودبلوماسي، وخبير استشاري جيوسياسي، شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأمريكي في ظل حكومة الرؤساء ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. صنف الباحثون كيسنجر على أنه من أكثر وزراء الخارجية الأمريكان تأثيراً في الخمسين سنة الأخيرة. كان له دور مهم في عدد كبير من الأحداث الفارقة في السياسة الأمريكية ين 1969 و 1977مثل إنهاء حرب فيتنام، الحرب العربية الاسرائيلية. تعتبر مذكراته مصدراً ثرياً لأهم تحولات السياسة الأمريكية وفلسفة صانعي القرار.

أقتبس لكم من مذكراته حديثًا مهمًا عن تأثير القوة من وجهة نظر السياسة الأمريكية

على مدى التاريخ يمكن القول أن النفوذ السياسي لدى الشعوب كان مرادفاً لقوتها العسكرية، وإذا كانت القيمة المعنوية وعظمة المنشآت تقدر على التمييز بين الدول، فإن المهارة الدبلوماسية لاتستطيع سوى تنمية القدرة العسكرية، لا أن تحل محلها. وفي آخر المطاف، فإن الضعف يدعو دوماً إلى التعدي، والنقص في القوة يؤدي دوماً إلى التنازل عن القدرة العسكرية. لعبت بعض البلدان الصغيرة، أدواراً هامة، وخلال فترات قصيرة ، في المستوى العالمي، لكنها كانت تتصرف ضمن إطار أمين من توازن دولي وتوازن القدرة، هذا التصور غير المأخوذ به غالباً في المراسلات الأمريكية، والذي يندر استعماله، دون إضافة الصفة“ غير المسلم به“ أصبح في الحقيقة الشرط الأول للسلام.

وانطلاقاً من هذا يمكن القول أن البحث عن القدرة ليس سوى بداية السياسة، ولايمكن أن يكون غاية بذاته. وإذا لم تكن القوة بجانبها، فإن جميع الأهداف، مهما كانت شريفة بحد ذاتها، توشك أن تسحق من قبل الأنظمة لدى الآخرين. 

كنا نعتقد طيلة أكثر من قرن، أن لاحاجة بنا للاهتمام بالمشاكل الاستراتيجية، ما دام محيطان يحميان حدودنا. وتخلينا لقاء ذلك عن قدرات كبيرة أخرى، كنا نلزم أنفسنا بها، بفضل سلامة تحركاتنا، وبما أن أهميتنا في العالم كانت مستقلة عن قدرتنا المادية. وكان لدينا الميل إلى ترك عزلتنا، والانخراط في التزامات مفاجئة. كانت غاية جميعها أدبية. حتى أن جهودنا العسكرية كانت معنوية وكانت ترتكز كثيراً على المنطق الرمزي أكثر مما هو على الجغرافية السياسية. وعندما كنا نخوض حروباً، كان علينا بوجه عام كسب الانتصار في وسائلنا أكثر مما يكون سبب الغلبة من جرأتنا أو مهارتنا الاستراتيجية. 

مذكرات هنري كسنجر، الجزء الأول، ص 134