هذه الأسئلة مقتبسة من استبيان يُسأل فيه عدد من الكتاب والمثقفين عدد من الأسئلة المتعلقة بكلفة الأدب، وفي نسخته هذه يجيب على الأسئلة الأديب والروائي جورج اورويل . نقل هذا الحوار في وترجم للعربية في الأعمال الكاملة لجورج أوريل، ترجمة سعيد الحسين من منشورات دار نينوى.
كم يحتاج الكاتب من المال برأيك ليعيش ويبقى حيا؟
– في القيمة الشرائية الحالية للنقود، أعتقد أن عشرة جنيهات أسبوعياً بعد دفع ضريبة الدخل هو الحد الأدنى لرجل متزوج، وربما ست جنيهات للشخص غير المتزوج. أفضل دخل الكاتب في القيمة الحالية للنقود هو حوالي ألف جنيه في السنة. بذلك المبلغ يمكنه العيش براحة معقولة ليس فيها مضايقات من الدائنين، ولا يُجبر على تقديم عمل مبتذل من دون أن يشعر أنه انتقل إلى الطبقة ذات الامتيازات. لا أعتقد أن المرء يستطيع أن يتوقع بإنصاف من الكاتب أن يبذل أقصى الجهد بدخل فرد من الطبقة العاملة. ضرورته الأولى التي لا يستغني عنها كالأدوات بالنسبة إلى النجار، هي غرفة مريحة مدفأة بشكل جيد يتأكد ألا يقاطعه أحد و يعيقه فيها، وهذا لا يبدو كثيراً. لكن لو حسب المرء ما يعنيه هذا بمصطلحات الترتيبات المنزلية، فيسعني كسب أموال أكثر. إن عمل الكاتب يتم في البيت وإن تركه يحدث للمصادفة سيخضع إلى مقاطعة دائمة. ليحمي نفسه من المقاطعة، يكلفه هذا مالاً بشكل مباشر أو غير مباشر. ثم إن الكتاب يحتاجون إلى كتب كثيرة وهذه تحتاج إلى مكان وأثاث لتضبير للأوراق، كما يصرف الكتاب الكثير على المراسلات ويحتاجون إلى معونة سكرتارية بدوام جزئي، ويستفيد أغلبهم من السفر والعيش فيما يعتبرونه بيئة متعاطفة و أكل و شرب الأشياء التي يحبونها أكثر، وأن يقدروا على أخذ أصدقائهم ليتناولوا معهم الطعام خارج البيت أو استضافتهم للإقامة معهم. مثالياً، أحب أن يحظى كل إنسانٍ بنفس الدخل، شرط أن يكون دخلاً عالياً نوعاً ما: لكن طالما هناك تمييز وفرق مفروض، أعتقد أن مكانة الكاتب يجب أن تكون في وسط القوس ، ما يعني في المعايير الحالية ألف جنيه في السنة
هل تعتقد أن الكاتب، الجاد يستطيع كسب هذا المبلغ من كتابته؟ وإن كان كذلك فكيف؟
– كلا. علمت أن بضع مئات من الناس في بريطانيا العظمى على الأكثر يكسبون عيشهم من كتابة الكتب فقط، وأغلب هؤلاء من كتاب القصص البوليسية إلخ. بطريقة ما إن تجنب المتاجرة بالمواهب بالنسبة إلى أناس مثل ايثيل ام ديل أسهل مما يكون الأمر لكاتب وقور وجدي.
.
لو أمكن ترتيب الوظيفة بشكل لا تستهلك كل وقته، أعتقد أن مهنة الكاتب الثانية يجب أن تكون شيئاً غير أدبي، والأفضل لو كانت شيئاً مناسباً لطبيعته ومزاجه
لكن بذل الجهد يكون صعباً جدا إن بدد المرء مسبقاً طاقاته على عمل نصف إبداعي كالتعليم والبث الإذاعي أو تأليف دعاية لكيانات
إن كان لا، فما هي المهنة الثانية المناسبة له برأيك؟
– لو أمكن ترتيب الوظيفة بشكل لا تستهلك كل وقته، أعتقد أن مهنة الكاتب الثانية يجب أن تكون شيئاً غير أدبي، والأفضل لو كانت شيئاً مناسباً لطبيعته ومزاجه . ويمكنني أن أتخيل أن يقوم موظف البنك أو وكيل التأمين مثلاً بعد أن يذهب إلى البيت بعمل جدي في أمسياته. لكن بذل الجهد يكون صعباً جدا إن بدد المرء مسبقاً طاقاته على عمل نصف إبداعي كالتعليم والبث الإذاعي أو تأليف دعاية لكيانات مثل المركز الثقافي البريطاني .
هل تحويل طاقة الكاتب إلى وظائف كما تعتقد يضر بالأدب أو يثريه؟
– بشرط أن لا يكون وقت المرء وطاقته مستنفدة، أعتقد أنها تفيده . أخيراً يجب على المرء أن يقوم بنوع من التواصل مع العالم العادي، وإلا عمن سيكتب؟
هل تعتقد أن الدولة وأي مؤسسة أخرى يجب أن تعمل أكثر من أجل الكُتّاب؟
– الشيء الوحيد الذي تستطيع الدولة فعله بشكل مفيد هو أن تُحوّل مقداراً أكبر من المال العام لشراء كتبٍ للمكتبات العامة. إن كان علينا أن نكون في اشتراكية كاملة، من الواضح عندئذ أن يكون الكاتب مدعوماً من الدولة، ويجب أن يوضع مع الجماعات التي تتقاضى أجراً أفضل، لكن طالما نعيش في اقتصاد مثل اقتصادنا الحالي، فيه مقدار كبير من المشروع الحكومي لكن أيضاً مناطق واسعة من الرأسمالية الخاصة، فإن الأقل للكاتب مع الدولة أو كيان منظم آخر أفضل له ولعمله.
هناك خيوط ثابتة مرتبطة بكل نوع من الرعاية المنظمة. من جانب آخر، فإن النوع القديم من الرعاية الخاصة، التي يكون الحمل الأكبرعلى فرد ثري، غير مرغوبة بشكل واضح، بالتأكيد إن الراعي الأفضل والأقل تطلبّاً هو الجمهور الكبير. لسوء الحظ، إن الجمهور البريطاني لن يصرف نقوداً على الكتب في القوت الحاضر، رغم أنه بات يقرأ أكثر فأكثر، وارتفع معدل ذوقه كثيراً جداً في العشرين سنة الأخيرة. في الوقت الحاضر، أعتقد أن المواطن البريطاني المتوسط يصرف جنيهاً واحداً على الكتب سنوياً، بينما يصرف خمسة وعشرين جنيهاً للحصول علي التبغ والكحول معاً. بواسطة الرسوم والضرائب يمكن جعله يصرف أكثر من دون أن يعرف – كما حدث أثناء سنوات الحرب حين صرف أكثر بكثير على الراديو بسبب العون الذي تحصل عليه البي بي سي من الخزانة. إذا أمكن حث الحكومة على تخصيص مبالغ أكبر لشراء الكتب دون الاستيلاء على كل تجارة الكتب وتحويلها لآلة دعائية، أعتقد أن موقع الكاتب سيكون مريحاً ويستفيد الأدب أيضا.
لو أنني استمعت إلى ماقاله الناس لي، فلن أصبح كاتباً أبداً
هل أنت راض عن حلك للمشكلة، هل عندك أي نصيحة تعطيها للشباب الذين يتمنون كسب عيشهم بواسطة الكتابة؟
شخصياً، أنا راضٍ بمعنى مالي، لأنني كنت محظوظاً على الأقل خلال السنوات القليلة الأخيرة، كان علي أن أصارع بشكل يائس في البداية، ولو أنني استمعت إلى ماقاله الناس لي، فلن أصبح كاتباً أبداً. حتى لوقتٍ حديثٍ تماما كلما كتبت شيئاً آخذه بجدية، يجب أن تكون هناك جهودٌ شاقة، أحياناً بواسطة أشخاص نافذين لمنعه من الطباعة. بالنسبة إلى كاتب صغير يشعر بامتلاك شيء فيه، فإن النصيحة الوحيدة التي أستطيع أن أقدمها إليه هي ألا يأخذْ بأي نصيحة.
هناك أفكار مفيدة أستطيع تقديمها، لكنها بلا فائدة أيضاً إن لم يملك المرء نوعاً من الموهبة
مالياً، طبعا، هناك أفكار مفيدة أستطيع تقديمها، لكنها بلا فائدة أيضاً إن لم يملك المرء نوعاً من الموهبة. إذا أراد المرء أن يعيش من من خلال وضع كلمات على الورق فقط. فالبي بي سي أو شركات الأفلام وأمثالها مفيدة له بشكل معقول. لكن إن أراد أن يكون كاتباً قبل كل شيء. سيتقدم وينجح إن أدرك موقعه منذ البداية. عندئذ يمكن القول إن المرء في مجتمعنا حيوان جرى التسامح معه، لكنه لم ينل التشجيع- شيء مثل عصفور المنزل.
هويرازن. سبتمر 1946، الفكر البريطاني الراهن، برتتش كرينت ثوت عدد 1، 1947.