في مذكراته ” عالم الأمس” يتحدث تسفايج عن ذكريات دراسته للفلسفة في جامعة فيينا، ووجهة نظره في الدراسة الجامعية.

“إن دراستي في الجامعة كان قد قررها من البداية مجلس الأسرة، ولكن أي كلية أختار؟ لقد منحتني أسرتي كامل الحرية في ذلك، كان شقيقي الأكبر قد انخرط في أعمال والدي ولذلك انعدمت الحاجة إلى ابن ثان. فرغم كل شيء، كانت المسألة تنحصر في نيل درجة دكتوراه تؤكد رفعة الأسرة، وأي دكتوراه تفي بالغرض. وما يدعو إلى الدهشة هو أن الاختيارات كانت سواء عندي. ولأنني وقفت نفسي على الأدب منذ وقت طويل. فإن أيا من مناهج الجامعة المعتمدة لم يثر اهتمامي. وكان عندي على كل حال، ارتياب خفي في كل النشاطات الأكاديمية وهو ارتياب لم يفارقني حتى هذا اليوم. إن قول كارليل: إن الجامعة هي مجموعة جيدة من الكتب، ما يزال صحيحاً بقدر ما يتعلق الأمر بي. وحتى في الوقت الحاضر أنا مقتنع أن المرء يمكن أن يصبح فيلسوفا، أو مؤرخا، أو عالما لغويا، أو محاميا ممتازا أو ماشاء من غير أن يدرس في جامعة أو حتى ثانوية. ولقد تأكد عندي مرات عديدة أن بائع كتب مستعملة يعرف عن الكتب أكثر من أساتذة الأدب. وأن معرفة باعة اللوحات الفنية تفوق معرفة مؤرخي الفن، وأن قسما ليس بالقليل من الاكتشافات والإلهامات في المجالات كافة قد قام بها أشخاص من خارجها. ومع أن الدراسة الأكاديمية قد تكون عملية ومفيدة وناجعة للمواهب المتوسطة، فإنها فائضة بالنسبة إلى الطبائع ذات الإنتاج الفردي. وربما تتحول إلى عائق لها.

.إن قول كارليل: إن الجامعة هي مجموعة جيدة من الكتب، ما يزال صحيحاً بقدر ما يتعلق الأمر بي

وفي جامعة مثل جامعتنا في فيينا، والتي ازدحم فيها نحو سبعة آلاف طالب، وكانت عراقيل متقادمة أبقتها شدة التمسك بالتقاليد تعترض الاتصال الشخصي المثمر بين الدارس والأستاذ، في هذه الجامعة لم أجد أستاذا جعل فرع تعليمه شيئا لايقاوم بالنسبة إلي. والذي يمنحني الحد الأقصى من الوقت والحرية من أجل هوايتي الحقيقية.

ومع أن الدراسة الأكاديمية قد تكون عملية ومفيدة وناجعة للمواهب المتوسطة، فإنها فائضة بالنسبة إلى الطبائع ذات الإنتاج الفردي. وربما تتحول إلى عائق لها.

عندما ألتفت إلى حياتي الماضية، لا أتذكر إلا لحظات قليلة سعيدة سعادة تلك الأعوام الأولى التي كنت فيها طالبا جامعيا بدون جامعة، كنت شابا، ولذلك لم يكن عندي أي شعور بعد بواجب تحقيق الكمال، وكنت مستقلا إلى حد بعيد، وساعات اليوم كلها كانت لي، كان باستطاعتي أن أقرأ وأدرس ماأشاء من دون أن أضطر إلى تعليل ذلك لأي أحد. إن غيمة الامتحان الأكاديمي لم تكن قد ظهرت بعد في الأفق الصافي. كم يمكن أن تطول ثلاث سنوات بالمقارنة مع تسع عشرة سنة من العمر. وكم يمكن أن يجعلها المرء غنية وممتلئة وحافلة بالمفاجآت والهبات.